معرفة

بابل في الوجدان الفني: من خمْرِها أُسْكِرَ الفنانون كلهم

يتتبع هذا المقال بعض الروائع الفنية التي استقت خمرًا عتيقًا كائنًا في بابل، كمجاز ساحر عابر للزمن لواقع معاصر جاء بعدها بقرون بعيدة.

future في الخلفية: البرج البابلي. في الأمام: (على اليمين) المغني والموسيقي البلجيكي تامينو، (على اليسار) المخرج وكاتب السيناريو الأمريكي الحائز علي جائزة الأوسكار عن فيلمه «لا لا لاند»، داميان شازيل

يروي ديودور الصقلي - مؤرخ يوناني قديم (90ق.م - 30 ق.م) - عن الملكة سميراميس، ابنة رجل آدمي وإلهة سماوية، هجرتها رضيعة في الصحراء لتخفي خطيئتها. لم تنل الطفلة عائلًا لتغذيتها في عامها الأول غير سرب حمام عابر كان يحمل لها الغذاء بمناقيره، ثم تلقّفها رعاة بعد ذلك وكبرت و تورّدت جمالًا بين أحضانهم. شَغُفَ بحسنها وجمالها ضابط آشوري عظيم الشأن يُدعى مينونيس حاكم سوريا، وتزوج منها.

في حملة للملك الآشوري نينوس، رافقه مينونيس وزوجته سميراميس التي أظهرت براعة تخطيطية أخضعت بتدبير منها مدينة بَقطرة، التي اعتقد الملك وزوجها باستحالة غزوها سلفاً. أُعْجِبَ الملك نينوس بسميراميس، بَدَت كهديّة غلّفتها له الآلهة، لم يَر امرأة قبلها بحُسنِها وجمالها، جُنَّ جنونه وهدّد زوجها مينونيس بفقْء عينه إن لم يُطلّقها ليتزوجها هو، أذعن الضابط لأوامر الملك، لكنه شنق نفسه بعد أن رآها زوجة لغيره. ماذا بجمال سميراميس أن يتقاتل الرجال ويقتلوا أنفسهم لأجلها؟

حَكمَت سميراميس رُفقة زوجها، وتسنمت العرش بعد موته - الذي يظن البعض أنه كان بتدبيرها - بلغت آشور تحت حكم الملكة المُطلّقة عنان تطورها، واتسعت فتوحاتها من صحاري ليبيا إلى شواطئ الهندوس، ثم شيّدت مدينة بابل وأحاطتها بالأسوار، حتى إن الحدائق البابلية المعلقة التي اعتُبرت فيما مضى أعجوبة من عجائب الدنيا السّبع نُسِبت لها في بعض الروايات.

لم تفرِّط سميراميس على قدر إنجازاتها في إشباع ملذاتها وشهواتها، حيث كانت تتخد لنفسها أخلّاء من أجمل رجال جيشها، وبعد قضاء لذتها منهم تأمر بإعدامهم. حُفِرَ على قبرها بعد نَصِّ كوكبة من انتصاراتها وإنجازاتها المجيدة «ومع ذلك لم تمنعني هذه المشاغل من أن آخذ قسطي أيضًا من اللهو والحب».

الملكة «سميراميس»

لا يمكن الحديث عن بابل العظيمة التي تفنّنت الأقاصيص والأشعار في مدحها وخلق المجازات منها دون ذكر سميراميس التي روت الأساطير أنها هي التي شيدتها. يصوغ الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه «حضارة بابل وآشور» مجازاً ملفتا للدهشة، «ولقد ظلت بابل سيدة آسيا الوسطى، تشبه في الحقيقة تلك المرأة - سميراميس - حتى إنها كانت مثلها متكبرة، شهوانية، شديدة الطمع والقسوة، مولعة بجمال الفن وجلائل الأعمال، توَّاقة إلى قهر الطبيعة وحكم الناس، فبابل، كسميراميس، دفعت مثلها الأنهار تجري حيث كانت تشاء، ومثلها أقامت الحصون والقلاع والأسوار، وشقّت الطرق في الصخور. وحاكتها في كل شيء، حتى في الغموض الذي ران على نشأتها ونهايتها»

خلال بحثي في تاريخ بابل القديم لمحاولة فهم الجاذبية التي جعلت منها مادة ساحرة تراكض خلفها الفنانون والأدباء لتطويع مجازاتهم في مدينة غابرة وُجِدَت قبلهم بقرون. تفطَّنت لكون بابل كمجاز لوبون، أشبه بسميراميس، استعارة خالدة تجاوزت تاريخها لتصير أسطورة، بهالتها الروحانية تحمل قوام عُلبَة عجائب تتخلق منها الحكايات، أقاصيص يسكب الفنانون رؤاهم فيها كأنهم يريدون تشريح الحضارة بإرجاعها لكنفها.

وُجِدت بابل جنوب عدو شمالي همجي يُدعى آشور، كانت الإمبراطورية الآشورية توّاقة للدماء، تفنّن مثّالوها في وصف المذابح وأساليب التعذيب المبتكرة من ملوكهم الذين وُضِعوا بمكانة الآلهة عند عامة الشعب. جنوبًا في بابل، كان الكلدانيون - شعب بابل - أقل تلهّفا للدماء وأكثر تعطشًا لملذّات النفس والجسد. لا عَجَب إذن أن تُسْتعَادَ بابل كرمز للسرور والترف على حساب نظيرتها الشمالية التي تناوبت وإياها سيادة بلاد الرافدين ويصح فيها حديث لوبون، «وكلما عثرنا في تراب الصحارى على بعض ما تركوا من الآثار الرائعة يخيّل إلينا أن عصرهم هذا كان من مبتكرات الوهم والخيال».

تمنحنا امتدادات بابل الدينية والحكايات الأسطورية التي حدثت على رمالها رؤية واضحة حول هذا الافتتان، لربما أوضح من تاريخها وبُنْيانها العظيم منذ حمورابي إلى نبوخذ نصر. يفكر لوبون أن كل الأديان بدأت بأفكار البابليين، كل الشرور والخطايا والشهوات انبثقت للعالم من بابل، وكل الجمال والأنس والسرور تخلّق في بابل. وصفها النبي أرميا، «بابل كأس ذهب بيدِ الربّ، تُسْكر كل الأرض، من خمرها شربت جميع الشعوب».

يتتبع هذا المقال بعض الروائع الفنية التي استقت خمرًا عتيقًا كائنًا في بابل، كمجاز ساحر عابر للزمن لواقع معاصر جاء بعدها بقرون بعيدة.

Damien Chazelle: بابل رحلة صعود وهلاك سينمائية

عام 2022، أخرج داميان شازيل فيلمه Babylon، حول عصر سينمائي صامت سبقه بمئة عام، قبل إدماج الصّوت بالصّورة. لا يحتاج «شازيل» وقتا طويلا لاستجلاب الاستعارة البابلية في حفلة صارخة تبدو كأنها انبعثت من خيالاتنا الشعبية حول مدينة الغواية و الشّهوة، في قَصر مملوء عن آخره بالعريّ و العُهر و كلّ ما جادت به الخطايا، كأنه يستفز غضب الرّب نحوه.

مشهد من فيلم «Babylon»

يتتبع شازيل عاملًا مكسيكيًا في قصر المنتج دون والاك، يُدعى مانويل (دييغو كالفا)، يجد على أبواب الحفلة فتاة غجرية تحاول اقتحامها، نيلي لاروي (مارغو روبي). تؤمن لاروي أنّها نجمة بالفعل، إما أن يختارك الرّب لتولد نجمًا أو لا، وهي وُلِدَت كذلك. يُخبرها أنه يريد أن يصنع أفلامًا، أن يكون جزءًا من شيء أكبر منه، شيء يستبقي وجوده بعده، تُجيبه أنها تشاركه الحلم… «يوما ما سيكونان معاً في موقع التصوير».

تنتقل الأحداث للممثل كونراد (براد بيت)، زير النساء ووجه هوليوود الأول، تُصنع الأفلام لأجل إقرانها باسمه، ويتراصّ المعجبون حال دخوله قاعة ما.

لا تحتاج الأحلام في أفلام «داميان شازيل» لدافع أو محرّك، يؤمن أنّ النّجاح رهين صُدفة عابرة أو شخص بين الحُشود قادر على انتشالك و جعلك نجما. في محفل بابل، تسقط ممثلة بجرعة زائدة و ينتقل دورها عشوائيا لنيلي لاروي، ثمّ يُغمى على «جاك كونراد» و يُكلّف «مانويل» بإقلاله إلى منزله، حيث يُعرضُ عليه أن يرافقه إلى موقع تصوير فلمه.

تبدو هوليوود في وِجدان شازيل شبيهة ببابل، ديستوبا جميلة، سِحر لا يتحقق إلا بالقُبح والعشوائية الحاصلة على خلفيته، يُمكن أن يسقط عامل قتيلًا في موقع التصوير ويُتجاوز الأمر كحدث عابر تُصوّر على أنقاضِه مشاهد خلّابة الجمال. تلتقط الكاميرا العشوائية والصّدف، كفراشة رست على أكتاف ممثل مخمور أمام حبيبة لا يعرفها، سيُقلّد هذا المشهد كرمز رومانسي لسنين بعده كأنه كادر بابلي، اختفت خلفه معركة دامية وقُبح صارخ، جمال حاجب يُغشي النظر.

مشهد من فيلم «Babylon»

يوثق الفصل الأول من الفيلم صعود شخوص الحكاية، توسع رُقعة بابل كإمبراطورية انرمت أمام سحرها الأمم، تُعَنْوَن الجرائد باسم نيلي لاروي التي تجعل فتيات كاليفورنيا يشعرن بالغيرة منها، وجاك كونراد الرجل الأعلى أجرًا في العالم، تكفي الأفلام أن يوضع على غلافها اسمه.

«جاك؟ أنا ماني، كلّ شيء سيتغيّر الآن».

— من فيلم «Babylon»

يستدعي شازيل مأزق القصة عام 1927 حين يُضاف لسِحر الشريط السينمائي التسجيل الصوتي، يجنّ جنون الجماهير بما يرونه، شخوص من عوالم أخرى تحدثهم وتمرر لهم مشاعرها، تتخلق من الصورة أحاديثهم بموسيقى على خلفيتها، جمال لم ينظروه من قبل.

يخصص شازيل لتوثيق ثورية الحدث 20 دقيقة كاملة لطاقم فيلم يحاولون تصوير مشهد قصير واحد تؤديه نيلي لاروي، لا شيء كما ذي قبل، انطوت رشاقة الممثلين وحركيتهم أمام هندسة صوتية مُحكمٍ ضَبطها، يُجنّ جنون الطاقم لأجل التقاط مشهد واحد، يفلحون في ذلك، لكن أحدهم يسقط ميتًا إثر الحرارة وصعوبة التنفس في غرفة ضيقة... إن جال الموت بيننا فلربما هو نذير هلاك المدينة. 

تنقلب حكاية الصعود رأسًا على عقب، تتحول لاروي فاتنة الشاشة لقذرة عاهرة بصوت كريه، وجاك كونراد محبوب العذارى لممثل رديئ يثير ابتذاله في الكلام ضحكات الحشود في القاعات السينمائية. يُستعاد مانويل هنا ليُمْنَح نصيبه من السحر، يبدو صعوده كمعادل لسقطة كونراد ولاروي، كأنه اختلال غير مفهوم تُمرّر الشعلة دون قبول أطراف المبادلة، من شخص لآخر، كسفينة تتخفّف بغير مبالاة من راكبين غير مرغوب فيهم بعد الآن، ليركب آخرون ويختبروا السحر ذاته.

لا يقبل كونراد ذلك، تخبره ناقدة الأفلام إلينور أن وقته انقضى، أن الأمر أكبر منه، مُنِح هدية أن يكون جزءًا منه وعليه تقدير ذلك. يبدو الأمر حزنًا يحوي في داخله جمالًا صارخًا ككادر سينمائي، أن يُستعاد كلما أُخرجَت أفلامه من الخزائن، يتناول رفقة من شاركوه الرحلة عشاء سويًا، «الطفل الذي يولد بعد 50 سنة، سيعثر على وميض صورتك في الشاشة، وينتابه شعور أنه يعرفك كأنك صديقه، مع أنك لفظت أنفاسك الأخيرة قبل أن يلفظ أنفاسه الأولى.. ستعيش الأبديّة رفقة الملائكة والأرواح».

في الكتاب المقدس، سقطت بابل على وَقْعِ مأدُبة سعيدة أقامها الملك البابلي بلشاصر (ابن نبوخذ ناصر)، ظهرت ليلتها على الحائط عبارة «مَنَى مَنَى تَقَيْلُ وَفَرْسِين»؛ فاستدعى بلشاصر النبي دانيال لتفسيرها.

أخبره دانيال أنها نبوءة بسقوط بابل، وهو ما وَقع ليلتها حين غزاها الملك الفارسي كورش العظيم، لتهلك بابل على وقع وليمة سعيدة، كأنها تبذل للعالم بهجتها حتى في سقوطها. اختبرت سحر الصعود كاملًا كما يجب، و صَنَعت الجمال الذي سيستبقي وجودها من بعدها، حين ينبش مؤرخ في تراب صحاريها أو يستعيدها فنان في مجاز ليفهم مدَنيّته من مستقبل أتى بعدها بأحوال. 

في جلسة شكر أخيرة، يمتنّ كونراد لما ناله من هدية، عاين أكثر مكان روعة في العالم، وكان شريكًا في إعماره، «كنت السافل الأكثر حظًا في العالم».

في مشية غجرية ختامية تتبدّى على وجه لاروي امتنان الرحلة، برضاء من منحها الحظ تجربة عشوائية من حيث لم تحتسبها، تقول نفس الجملة التي بدأت صعودها، واختتمت بها هلاكها، «أليست الحياة زاهرة!».

مشهد من فيلم «Babylon» للممثل Diego calva

تلك هبة أن نلتقط جمال العالم، مِصداق تواضعنا أن نهبط ممتنين، لينعم آخرون بالسحر ذاته. في ختامية الفلم يستعيد شازيل لقطات سينمائية من أفلام ستحدث بعد زمن الفلم بسنين، كأنها رؤيا بابلية لاستبقائها على ألسن الناس، يبدو المشهد كسلسلة مُطوّلة، أكبر من وجود أيٍّ منا، نحن عابرون، نصيبنا مشهدية واحدة في سلسلة اقتطاعات طويلة، وتلك هدية ننالها.

Tamino: الحب أشبه بأسوار بابل

الـ14 من أكتوبر 2024، يعلن Tamino عن ألبومه الثّالث Every Down's a Mountain، ويصدر ليلتها أغنية الألبوم الأولى Babylon.

مُنذ البداية، يبدو «Tamino» مُتحدّثا من زاوية الآلهة، يرى القُبح و العَفَن الكائن تحت البنيان المتعاظم و الحدائق المعلّقة الجميلة في بابل، و يعِدها بنبوءة سرب نسور قادمة لتعرية المخفيّ، فتلفظ الأرض خطاياها ليراها الجميع عارية على حقيقتها دون كبريائها و وقارها المُصْطَنَع.

فيديو كليب أغنية Babylon

حين يُعلن Tamino بإخفاء كُنوزه بالنار لأجل ألا يمسّها غير الملعونين، يتبدّى غضبه تجاه بابل، ندرك حينها أنه لا يقوم في الأغنية مقام الآلهة، إنما مقام ملاك ساقط يتلصص السمع، طُرِد قَسْرًا من بابل، لذلك يراها بتشاؤمية نازِلٍ سابق بها. تمثّل كنوزه بقاياه هناك، يتساءل إن ما كانت خاصته منذ البداية. مشهد لملاك فقد إحساسه بالجدوى، يسائل ربه إن ما كان أي شيء يخصه، أم أنه رهين أمزجة مدينة متقلبة.

تنكمش الصورة المتوسعة لبابل في قَطع سينمائي نحو محبوبة قديمة، يتحول العتاب في نَقْلَة تعادل بابل بعلاقة حب بين Tamino وحسناء يتذكرها.

في الكتاب المقدس، بعد طوفان نوح بمئات السنين، خَرَج على الناس صيّاد بالغ الذكاء يُدعى النّمرود. فكّر النمرود في بناء مدينة واحدة تسكنها الخليقة كلها، كان ذلك ضد خطة الرب الذي أمر أبناء نوح أن ينتشروا في بقاع العالم. أراد النمرود والبابليون بناء برج شامخ يبلغ عنان السماء، كأنه يخبر الرب أنه كفؤ له.

حدثت بذلك واقعة بلبلة الألسنة، حينها تشّتت لغات الأرض، وبلبل اللّه ألسنة النّمرود وأتباعه حتى أنهم ما عادوا قادرين على فهم بعضهم البعض، وتوقف بناء البرج.

يقف Tamino على هذا البرج البارد غير المكتمل البناء، يرى أُفُقَ ماضٍ سحيق، هناك حبيبته.

يفكّر Tamino أنه بحبّهما بَنَيا برجًا بابليًا أغضب الآلهة، يحضر الحب هنا كخطيئة تزعج الآلهة، لذلك خُلِقَت هاته المشاعر ناقصة، لا تكتمل. بدا لـTamino أنّ خطيئته ومحبوبته كانت حبهما، ذنب لا يُغتَفَر، بلبلت الآلهة قلبيهما فما عادا قادرين على نيل الوِصال، لذلك يبدو التساؤل الأول Why does my heart not follow her to the end؟ منطقيًا، لأن الآلهة صنعت الحب كشيء فانٍ لا يستمر، يعتبر Tamino ذلك انتقامًا غاشمًا من الآلهة، أشبه بانتقام الرّب في حادثة بلبلة الألسنة.

يكرر Tamino أنه بنى نفسه من دفئها، ثم بنى و إياها البُرج، لذلك حين قُطِعَ الوِصال صار خاويًا، لأن الشيء الذي بنى معنى وجوده حوله زال، فزال هو نفسه، الحب كأسوار بابلية تحصّنها، إن هُدِمَت سقطت بابل، لا يحفظ امرئ استمدّ معناه من الحب بقاءه، لأنه شيء هالك كسور بابلي، إن سقطت صار المرء خاويًا، يحدّق في الفراغ.

«بابل أنتِ زائفة، أسواركِ بُنِيَت لتُهْدَم…»

تشبه بابل الهالكة الحب عند Tamino، جمال خلّاق أسْكَرَ العالم، لكنه هَلَك في النهاية بحُكم آلهة قدّرت له أن يكون فانيًا ومؤقتًا، كل قصة حب أشبه ببابل، بُنِيَت أسوارها لتُهدم في النهاية، يخلص الملاك الساقط في صلاته الأخيرة لحقيقة مأساوية: 

Oh, Babylon, you fake»
Your walls are built to break
«And I never came to stay

يمكنك النظر للحنين الذي تحمله الأغنية، اشتياق حزين استدعى مدينة بابل كمجاز يُحمّله ثقل الحدث، لا يُعاتب Tamino محبوبته، لا نتبين من كلماته حتى من ترك الآخر ورحل، إنما يعاتب بابل التي وُجِدت لتهلك في النهاية، الحب الذي خُلِق كلذَّة عابرة، تأتي لتُنشي بسحرها محبوبين ثم تختفي لا لسبب…

مشهد من فيديو كليب «Babylon»

يبدو Tamino في النهاية خالي الحلول، وَسط كادر ديستوبي أشبه ببابل معاصرة، ملاك غاضب توعَّد بابل أن تأتي النسور وتفضح عفَنها، بَيْدَ أنه في انكشاف أخير، يخبرها أنه يعلم أنها فانية، أنّ عبوره بها زائل، لكنه يفقد اتزانه بوجودها، ذاك سحر بابل الذي تجاوز الأزمنة، الذي يستبقي الحب كقوة غاشمة تُربك البشر، لذلك سيخرج آخرون ليختبروا السحر ذاته، ويهبط هو بعد أن نال هبة الحب… حزينا قانطاً من سحر فاته… لربما ستبقى نبوءته الأولى غير محققة، ستظل الحدائق تجتذب العاشقين، وهو على أطلال أسواره البابلية، يرثي حبه.

But I'm losing every way around you

أرواح بابل في الأبدية

آمن الكلدانيون - شعب بابل - بخلود الروح، يخلد الأموات في ظلام الأبدية وغذاؤها التراب، تتحول الأرواح التي قصًّر أهلها في دفنها أو ذكرها، لشياطين مؤذية، تعود لتنتقم منهم وتُلحق بهم عقابها، أما الميت الذي يُعتنى به بتحنيطه ودفنه وتزويده بما كان يحبه في حياته، فإن روحه تهبط للأرض لتكافئ أهلها الذين حققوا لها الراحة الأبدية.

ولا زالت أرواح بابل، بعد 2564 سنة من سقوطها، تُستعاد كتميمة للجمال والسرور، في سياقات جاءت بعدها بقرون. تبدو استعادة بابل كتكريم فني للأرواح العظيمة التي وطأت تلك الأرض، وفي المقابل يبدو كأن جالبها يُكرَم بما جادت به يداه من روائع فنّية، من أرواح سبقته بمئات السنين.

يقول غوستاف لوبون: «ونرجو أننا بإخراج الشعوب التي بادرت ودرجت في أكفانها الترابية منذ أقدم الأزمان من ظلام قبورها إلى نور المدنيَّة الحديثة سنتمكن من فهم كيفية تكوين هَيْئاتنا الاجتماعية الحالية. وربما توصلنا إلى كشف القناع السحري عن مستقبل المدنية الغامض».

# تاريخ # سينما عالمية # فن

صورة قابض الأرواح في السينما: كيف تغلب المخرجون على هاجس الموت
مسار تيريزا الأزرق: رحلة عجوز في الأمازون
الثقافة الرمضانية والوظيفة الفسيولوجية للفن

معرفة